الشفاء
فشفاء كل شخص يعتمد على خطوات تقدمه، فحتى متخصصي الرعاية الصحية لا يعطون تقديرًا للفترة اللازمة للشفاء، وحتى الأشخاص الذين تقدموا بطلب معاش الإعاقة قد يتم شفاءهم تمامًا في وقت لاحق.
كان هناك اعتقادًا شائعًا في أواخر خمسينات القرن الماضي، وهو أن الاضطراب العقلي لا يمكن الشفاء منه، وربما ذلك هو السبب في أنه لم يزل هناك الكثيرين ممن يعتقدون بأن أثر الاضطراب العقلي هو أثر دائم يعاني منه الفرد طوال حياته، ولكن في الوقت الحاضر نعلم بأن المريض إما أن يشفى تمامًا من معظم الاضطرابات العقلية أو أن يتخلص من معظم أعراض تلك الاضطرابات من خلال تلقيه العلاج المناسب، فالشفاء هو عملية فردية, وسواءً حدثت بسرعة أم ببطء فإنها تتوقف على أمور كثيرة، كما يمكن أن يكون تقدم عملية الشفاء “على شكل موجات”: فأحيانًا تسوء حالة المريض وأحيانًا أخرى تتحسن.
يؤكد الأشخاص المعاد تأهيل صحتهم العقلية على ضرورة قبول أنفسهم لإحراز تقدم في العلاج، فالأشخاص الذين كانوا يعانون من الاكتئاب, على سبيل المثال، يقولون أنهم عانوا من الشعور بالدونية وعدم تقبل الآخرين لهم قبل أن يتم تشخيص حالات اكتئابهم، فقد يولد الاكتئاب أو أي اضطراب عقلي آخر الشعور بالذنب والخجل، وغالبًا لا يبدأ الشفاء إلا بعد أن يتعاملوا مع هذه المشاعر: ويعد إدراك المصابين بأن حقيقة شعورهم بالذنب أو بالخزي لا أساس لها من الصحة وأن كل فرد له قيمته، أمرًا هامًا للغاية.
إن تجارب الاندماج والقبول وأن يحظى المريض بمن يسمعه هي أمور هامة لعملية الشفاء، كما أن مفهوم دعم الأقران يرتكز تحديدًا على هذه العوامل، فبخلاف ما يحدث في الحياة العملية، لا يتم تقييم الأشخاص من خلال أدائهم الخارجي في مجموعات دعم الأقران.
ستتغير شخصية المريض بعمق خلال عملية الشفاء في بعض الأحيان، فربما استندت حياته من قبل على أداءه وإنجازه للأهداف، وبالتالي فقد يرتبط شعوره بعدم الإلمام بالاضطراب العقلي الذي يعاني منه: “إن ذلك الشخص العاجز واليائس لا يمكن أن يكون أنا”، وعادة ما تتغير قيم الشخص المصاب وهويته لتصبح أكثر وضوحًا أثناء عملية الشفاء، وربما تغير عملية الشفاء أيضًا أسئلة المريض المتعلقة بحياته، ما الذي يشعرني بالسعادة؟ ما هي أولوياتي؟
يتمتع الأشخاص المتعافين من الاضطرابات العقلية في أغلب الأحيان بالقوى التي تنقص الآخرين، إلا أن هذه القوى لا يلاحظها الأشخاص المحيطين بهؤلاء المرضى لأنهم يركزون على مشاكل المرضى وضعفهم المرتبط بالاضطرابات العقلية، وتشتمل القوى التي يتمتع بها المتعافين من الاضطرابات العقلية على قدرتهم على العيش في مستوى منخفض جدًا من الدخل، ودرايتهم بنظام الضمان الاجتماعي، والعثور على المصادر العقلية الشخصية وتحديدها، والتمتع بالقوة للعيش مع وصمة، وكذلك القدرة على فهم حيوات الناس الذين يمرون بمواقف صعبة.
إن الكثير من الأشخاص المعاد تأهيل صحتهم العقلية قد عانوا من مواقف وظروف لم يتخيلوا أبدًا أنهم سيخرجون منها، وقد يكون من خاض هذه التجارب ماهر جدًا في دعم الآخرين في مواقف الحياة الصعبة.
إذا طالت فترة الشفا
ربما يفكر أحد المصابين باضطراب عقلي في هذا السؤال: “إلى متى سيستمر ذلك الاضطراب؟” “هل ستتحسن حالتي ذات يوم؟” حيث تختلف عملية الشفاء من شخص إلى آخر، ويعتمد تقدمها على طبيعة الاضطراب وعلى إيجاد الطريقة المناسبة للعلاج، فشفاء كل شخص يعتمد على خطوات تقدمه، فحتى متخصصي الرعاية الصحية لا يعطون تقديرًا للفترة اللازمة للشفاء، وحتى الأشخاص الذين تقدموا بطلب معاش الإعاقة قد يتم شفاءهم تمامًا في وقت لاحق.
حتى إذا لم تبدوا أي علامات لشفاء المريض، فلن يعلم أحدًا أبدًا متى قد يبدأ شفائه، بالإضافة إلى أن الفترات الجيدة والفترات السيئة تتبادل مع بعضها البعض في حالة الإصابة باضطرابات عقلية طويلة الأجل، لذلك ينبغي على المريض أثناء معاناته من المرحلة السيئة أن يؤمن بأن الأوقات الجيدة قد تكون قاب قوسين أو أدنى، كما تتطلب بعض الاضطرابات العقلية تناول الأدوية لأعوام بعد اختفاء الأعراض لأن هناك خطورة كبيرة من عودتها.
قد يحتاج إيجاد الطريقة المناسبة والأدوية الفعالة لعلاج الاضطراب العقلي طويل الأجل إلى الوقت والصبر، كما أنه من الممكن ألا يتم علاج ذلك الاضطراب بشكل نهائي وتام حتى من خلال طريقة العلاج المناسبة، لكن قد تختفي الأعراض بالكامل في معظم الأحيان، ومن الأفضل أن نتذكر أن أدوية الاضطراب العقلي وطرق علاجه يتم تطويرها باستمرار، فعلى سبيل المثال، تطور علاج الاكتئاب تطورًا بالغ الأهمية في العقود الأخيرة، كما أنه مستمر في التطور، وكذلك هناك تحسينات في أدوية علاج الذهان، وعلى المريض أن يلتزم بالعلاج ليتم شفائه كأن يكون لديه موقف إيجابي تجاه العلاج، وعليه أيضًا أن يطالب في كثير من الأحيان بتجريب نماذج مختلفة من العلاج.
علاوة على ما سبق فقد وجد الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات طويلة الأجل مجموعات دعم الأقران الخاصة بهم، حيث تتيح هذه المجموعات للمرضى أن يشاركوا تجاربهم مع أشخاص آخرين يعانون من نفس الاضطراب، ويتطلب تكيُف المرضى وقبولهم للاضطراب طويل الأجل بشكل عام, عملاً مشتركًا بين كل من المرضى وأصدقاءهم وعائلاتهم، فالاضطراب غالبًا ما يؤثر على العمل وكسب الرزق، وقد تقدم مجموعات الدعم نصائح مفيدة بشأن التعامل مع العديد من المسائل.